Wednesday, 5 May 2010

وكل في فلك يسبحون

وكل في فلك يسبحون

تَعلَّمنا أنَّ القَمَر يَدُور حَول الأرض، وَتَدُور الكَواكِب حَول الشَّمس في مَداراتٍ دائِرية شكل (1)، ثُمَّ تَعَلَّمنا لاحِقاً مِن قَوانين (كِبلَر) بأنَّ الكَواكِب تَدُور حَول الشَّمس في مداراتٍ أهليجية بيضاوية

شكل (1)

لكن عِندما كُنتُ أسمَع الآيات القُرآنيّة الَّتي تَصِف حَرَكة الشَّمس والقَمَر بأنَّها ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ (يس: 40). لَم أكُن أستطيع أن أقرِن هَذا الوَصف القُرآني، بِذلِك الوَصف العِلمي الَّذي يقول بأنّهُم يَدُورون، وَلَو كانوا يَدورون لَذُكِرَت كَلِمَة يَدُورُون.

كانت الآية ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ الذاريات: 47، تُشير في معناها إلَى الكَون المُتوسِّع، لَكِن بِدون أن تَتَشَتَّت أجرامُه الداخِلية، وَهَذا الأمر مبدئياً، يُعاكِس فِكرَة الدوران الَّتي وَصَفنا بِها حَرَكة القَمَر والكَواكِب، فَبَينَما يَعتَمِد مَبدأ الدوران عَلى المَبدأ التالي: إذا استمرَّ الجِسم بالسَّير في نَفسِ الاتِجاه حَول نُقطَة ثابِتَة مَسافَة ثابِتَة، فلا بُدَّ لَهُ أن يَعود إلَى النُّقطة الَّتي أنطَلَق مِنها من الاتِجاه الآخَر، أمَّا في حالَة توسُّع الكَون فَلا تُوجَد أي نُقطَة دارَت بِشكلٍ دائِري أو إهليجي عائِدَةً إلى نُقطة الصِّفر الَّتي بَدَأت مِنها، ذلك أنَّه مَع توسُّع الكَون فإنَّ كُلَّ نُقطة فيه سَتَتبع هَذا التوسُّع، وَسَتَستَمِر في الحَرَكَة جارِيَةً باتِّجاه تَوسُّع الكَون مُتباعِدَةً عَن النُّقطة الَّتي بَدَأت مِنها، وَهَذا ما يَمنَع مَبدأ الدوران عَن أي مِن أجرام الكَون.

وَمن هُنا جاءَت المُفارقة، مُفارقة وبَدأتُ في البَحثِ في كُلِّ آياتِ القُرآن الكَريم حَول أي وَصف لأي حَرَكة في الكَون بالدوران، لِلأسَف لَم أجِد الِفعل دارَ وَلا الفِعل يَدور وَلا الفِعل سَيَدور. . وَلَم يُطلِق القُرآن وَصف الدوران اطلاقاً عَلى أي حَرَكة داخِل الكَون ولا حَتَّى على سُلوك البَشَر وَلا حَتَّى عَلى الدَواب. . وَفي الحَقيقَة: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} (لقمان: 29).

رَجعت من جَديد أبحَث عَن مَعنى كَلِمَة يَسبَح، فَوَجَدت أنَّها تَعني: طَفا عَلى الماء، أي أنَّ الماء تَغَلَّب عَلى ثِقَل الشَّيء وَلَم يَترُكَه يَهوي تَحت تأثير كُتلَته إلَى الأسفَل.

لكن كَلِمَة طَفا تَعني أنَّ الجِسم لا يَتَحرَّك من مَكانه إلَى مَكان آخَر عَلَى سَطح الماء، لِذا فإنِّي عِندَما عُدت إلى الآيات من جَديد، وَجَدت أنَّ الآيات أضافَت إلى فِعل السِّباحَة هَذا كَلِمَة يَجري، وَكَلِمَة يَجري مُستَعارَة من جَري الماء، إذاً اتَّضحت الصُّورَة, شكل (2).

لَقَد استلهم عِلم الفيزياء وَصفه لِلحَرَكات الفيزيائيَّة المَوجيَّة من حَرَكَة أمواج الماء، والمَوجَة المائيَّة في الفيزياء عِبارَة عَن تَذَبذبات تَرتَفِع وَتَنخَفِض، ولكنَّها لَن تَرتَفِع وَتَنخَفِض بِشَكل عَمُودي، ولكن بِشَكلٍ بَيضَوي، ذلِك أنَّهُ عِندَما يَعُوم جسم عَلى مَوجَة فإنَّهُ في نَفس الوَقت الَّذي يَرتَفِع وَيَنخَفِض فيه، فإنَّ المَوجَة تَتَحرَّك إلَى الأمام والخَلف في مَكانِها، راسِمَةً مَساراً بَيضَويَّا، كُل ما عَلى الجِسم الطَّافي هُو أن يَتبَعَه.

هَذِهِ المَسارات البَيضَويَّة هِيَ نَفسها الَّتي بَدَت لِلعالِم الكَبير (كِبلَر) بَيضَويَّة، (فَكِبلَر) نَظَر إلَى هَذِهِ المَسارات من عَلى سَطحِ الأرض، والمُراقِب من عَلى سَطحِ الأرض سَتَبدُو لَهُ المَدارات بَيضَويَّة. وَلَو سافَرَ (كِبلَر) خارِج المَجمُوعَة الشَّمسيَّة، وَنَظَرَ إلى مَداراتِ الأقمار والكَواكِب لَرآها موجيَّة سابِحَة. وَحَتَّى أجعَل المَوضُوع يَتَّضِح أكثَر، سأضرِب أمثِلَة، تَخَيَّل أنَّك في سَيَّارَة وَسَط دُوَّار، وَجاءَت سَيَّارَة من خَلفَك ثُمَّ دارَت عَن يَمينَك ثُمَّ من أمامَك ثُمَّ عَن يَسارَك إلى خَلفك. إنَّكَ حَتماً سَتَقُول بأنَّ هَذِهِ السَيَّارَة قَد سارَت في مَدارٍ دائِري حَولَك شكل (3). وَلكن تَخيَّل الآن أنَّك لَم تَكُن تَدور، ولكنَّك كُنت مُتَحَرِّك إلى الأمام، وأرادَت تِلك السَيَّارَة أن تُعيد العَمَليَّة السَّابِقَة، وَهِيَ أن تأتي من خَلفك ثُمَّ تَسير عَن يَمينِك ثُمَّ تَسير من أمامَك ثُمَّ عَن يَسارَك باتِجاه خَلفَك من جَديد، والسُّؤال الآن: هَل سَتَرسم هَذِهِ السَيَّارَة مَساراً دائِريَّا حَولَك مِثلَما فَعَلَت في المَرَّة السَّابِقَة.

شكل (2)

في الشَّكل الَّذي عَملته نَرَى أنَّهُ بِفَرَض أنَّنا ثابِتين في نُقطَة ثابِتَة عَلَى أرض ثابِتَة في كَون ثابِت، وَتأتي سَيَّارَة وَتَدُور حَولنا، فإنَّهُ بالنِّسبَة لَنا نَحن المَوجُودين بِداخِل السَّيارَة، وَبالنِّسبَة لِمَن هُم مَوجُودون عَلَى الأرض أو في الكَون؛ فإنَّهُم سَيَرُون تلك السَّيارَة قَد دارَت حَولَنا وَرَسَمَت مَداراً دائِريا.

شكل (3)

حَتَّى نَتَخيَّل هَذِهِ الحَرَكة فإنَّ أسهَل شَيء هُو أن نَتَخيَّل بِدايةً وُجُود طَريق من ثلاثةِ مسارِات تَتَّجِه باتِجاهٍ واحِد، وبَينَما نحنُ نَتَحَرَّك إلَى الأمام في المَسار الوَسَط، يأتي ذلك الشَّخص من خَلفِنا مُنحَرِفاً إلى المَسار الأيمَن ثُمَّ يَتَقَدَّم إلى الأمام حَتَّى يُصبِح عَلى يَميننا مُباشَرَة، ويُتابِع تَقَدمه عَن يميننا بِسُرعَة أعلى من سُرعَتِنا فيتجاوزنا، ثُمّ يََنحَرِف إلَى اليَسار فَيُصبِح أمامَنا وَفي نَفس مسارنا، ثُمَّ يُكمِل انحِرافه إلَى اليَسار حتَّى يَدخُل المَسار الأيسر ثُمَّ يُقلِّل سُرعَته، فنتجاوزه ويُصبح بالكامل على يسارنا فَنسبقه إلى أن يُصبح خلفنا من جهة اليسار، ثُمَّ يأخُذ بالانحِراف إلَى اليَمين باتِجاه المسار الأوسَط إلى أن يُصبِح خَلفَنا، ورغم استمرارِنا بالسَّير إلى الأمام إلّا أنّهُ يَنحَرِف من خَلفِنا إلَى المَسار الأيمَن ويزيد من سُرعَته إلَى أن يُصبح عَلى يميننا. . وَهَكَذا، فَعِندَما ينظُر أي واحِد مِنَّا من داخِل السَيَّارَة، سَيَرَى ذلِك الشَّخص قَد عَمِل دَورَةً دائِريَّة كامِلَة حَولنا.

لكن ثَمَة شَخص من الأعلَى يُراقِب كُلَّ ما يحدُث من حَرَكةٍ نِسبيَّة بَينَنا وَبَين ذلِك الشَّخص، يَروي لَنا بأنَّ ذلِك الشَّخص لَم يَدُر حَولنا كَما شاهَدنا، وَلكنَّهُ يَرسم لَنا مَساراً غَير الَّذي تَوقَّعناه، فالطَّريق الَّتي يَرسِمُها لِحَرَكة تِلك السَيَّارَة حَول سَيارَتِنا هِيَ طَريق مَوجيَّة سابِحَة كَما في الشَّكل (5) الَّذي رَسَمته لِلتَوضيح.

بِنَفسِ الطَّريقَة يَتَحَرَّك القَمَر بالنِّسبَةِ لِلأرض، وَحَتَّى نتخيَّل هَذِهِ الحَرَكة يَجِب عَلينا أن نَتخيَّل أنَّ القََمَر والأرض يتحرَّكان (يَجريان مَعاً) حيثُ يَبدأ القَمَر حَرَكته من خَلفِ الأرض، فَتَزداد سُرعَته وَينحَرِف إلَى اليَمين، ويَتَقَدَّم إلى الأمام، حَتَّى يُصبِح عَلى يمين الأرض من جِهَة النُّقطَة البَعيدَة عَن الشَّمس، وَمن ثُمَّ يَتَحرَّك القََمَر والأرض مَعَاً بِعَكسِ اتِّجاه عَقارِب السَّاعة، مَع مُلاحظة أنَّ القَمَر يَتَحرَّك بِسُرعةٍ أكثَر من سُرعَة الأرض، وما أن يتجاوزها إلَّا وَيَبدأ في الانحِرافِ إلَى اليسار، فيتقدّم عَليها وَهَكَذا ما أن يُصبِح القَمَر أمام الأرض إلّا ويُكمِل انحِرافه نَحو اليَسار بِنَفسِ الوَقت الَّذي تَبدأ تَقِل فيه سُرعَته عَن سُرعة الأرض، الأمر الَّذي يُؤدي إلَى أن تَتَجاوزه الأرض عِندَما يَكون عَلى يسارِها، وعِندَما يُصبِح عَلى يسارِ الأرض تَكون سُرعَته أبطأ من سُرعَة الأرض فَتَتَجاوزه إلَى الأمام بينما يتبعُها بِنَفس الوَقت الَّذي يَنحَرِف هُو إلَى اليمين إلَى أن يُصبِح خَلفها مُباشرَة، حَتَّى إذا ما أصبَحَ خَلفها بِشَكلٍ كامِل يَكُون قَد أكمَلَ سِباحَةً أو حَرَكَة مَوجيَّة واحِدة، تكون مُدّتها شَهراً قَمَريّاً كامِلاً. . وَهَكَذا. والشَّكل (5) الَّذي رَسَمته يُمَثِّل هَذِهِ السِّباحَة.

شكل (4).

إذن، القَمَر يَسبَح وَلا يَدور، وَالقُرآن الكَريم لَم يَكتَفِ بِوصفِ حَرَكَة القَمَر بالسِّباحة بَل وَصَفَهُ بأنَّهُ يَجري، وَهو وَصف يَختَلِف في المَعنى والدلالات عَن وَصفِ البَشَر لَه بِكَلِمَةِ يَدُور، وَفي الُّلغة نَقُول إنَّ المَاء يَجري إذا جَرَى جَرياناً، وَنَحنُ نَعرف أنَّ المَاء يَجري بِطَريقَة مَوجيَّة أو عَلى شَكل أمواج البَحر، كَما أنَّ الجَرَيان يأتي لِيُشير إلَى السَّائِر باتِجاهٍ واحِد، وَهَذِهِ هِيَ الحَرَكة الطبيعيَّة لِكُلِّ أجزاء الكَون، فكُلَّها تَجري باتِجاهٍ واحِد هُو اتِجاه تَوسُّع الكَون.

وَنُلاحظ هُنا أنَّ القَمَر في حَرَكَتِهِ أو سِباحَتِهِ هَذِهِ، تَزداد سُرعَته وَتَتَباطأ مِثل حَرَكة السَبَّاح في الماء، فَهو لا يَجري بِسُّرعة ثابِتة، فَسُرعة السَّباح تَزداد عِندَما يَدفَع بإحدَى يَديه أو كِلتيهُما الماء، وتَتَباطأ عِندَما يُبدِّل ما بَين يَديه في دَفع الماء، وَهِيَ تُشبِه أيضاً المَوجَة المائِيَّة السَّابِحة من حَيثُ الشَّكل وَمِن حَيثُ الحَرَكة، فَعِندَما تَبدأ المَوجَة بالارتِفاع تَمتَلِك المَوجَة طاقَة حَرَكَة تَزداد من نُقطَةِ انطِلاق المَوجَة من أدنَى نُقطَة مِنها أو من قاعِها، فَتَنطَلِق بِسُرعَة حَتَّى إذا وَصَلَت إلَى أعلَى نُقطَة، أو إلَى قِمَّة المَوجَة، تَكُون قَد قَلَّت سُرعَتها وَطاقَتها الحَرَكيَّة، الَّتي تَتَحَوَّل إلَى طاقَة وَضع، فَتَهبط المَوجَة مُتسارِعَةً إلَى أسفَل.

يُمَثِّل الشَّكل الذي رسمته هنا مَراحِل الحَرَكَة المَوجيَّة السَّابِحَة لِلقَمَر حَول الأرض، فَبَينَما يَبدُو القَمَر دائِراً حَول الأرضِ بالنِّسبَة لِلمُراقِب المَوجُود عَلى الأرض، فإنَّ القَمَر يَبدُو سابِحاً في حَرَكَة مَوجيَّة حَول الأرض، وذلك بالنِّسبَةِ لِلمُراقِب الَّذي يَكَون أعلَى المَجمُوعَة الشَّمسيَّة.

شكل (5)

إذن، القَمَر يَسبَح وَلا يَدور، وَلَيس ذلِك فَحَسب بَل أنَّ القَمَر يَجري ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ (فاطر: 13)، أي أنَّ القُرآن الكَريم لَم يَكتَفِ بِوصفِ حَرَكَة القَمَر بالسِّباحة بَل وَصَفَهُ بأنَّهُ يَجري، وَهو وَصف يَختَلِف في المَعنى والدلالات عَن وَصفِ البَشَر لَه بِكَلِمَةِ يَدُور، وَفي الُّلغة نَقُول إنَّ المَاء يَجري إذا جَرَى جَرياناً، وَنَحنُ نَعرف أنَّ المَاء يَجري بِطَريقَة مَوجيَّة أو عَلى شَكل أمواج البَحر، كَما أنَّ الجَرَيان يأتي لِيُشير إلَى السَّائِر باتِجاهٍ واحِد، وَهَذِهِ هِيَ الحَرَكة الطبيعيَّة لِكُلِّ أجزاء الكَون، فكُلَّها تَجري باتِجاهٍ واحِد هُو اتِجاه تَوسُّع الكَون، فالآيات الَّتي وَصَفَت الكَون بأنَّه يَتَحَرَّر من انحِنائه كَما تَتَحَرَّر الأوراق المَطويَّة من انحِنائها، وَتِلك الَّتي وَصََفَتهُ بأنّهُ مُتَوسِّع، وَتِلك الَّتي وَصَفَت كُلَّ ما فيه بأنَّه يسبَح، وَتِلك الَّتي وَصَفَت أجرامَهُ بأنَّها تَجري، كُل هَذِهِ الآيات القُرآنية الكَونيَّة أصبَحَت مُتَرابِطَة في مَعانيها، وَفي وَصفِها، وَفي نَتائِج هَذا الوَصف، وَفي العِلم الحَقيقي الَّذي تَأتي بِه.

شَكل يُمَثِّل سِباحَة القَمَر حَول الأرض، وَقَد رَسَمته كَتَمهِيَد لاستِعمالِه في تَمثيل عَمَليَّة تَراكُم الأفلاك عَلى بَعضِها وَسِباحَة كُل مِنها في الآخَر كَتَحقيق للآية الكَريمَة: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يس: 40).

شكل (6)

ولكن بَعدَ كُلِّ هَذا، أقول إنَّ ما ذَكَرته حَول مَوضَوعِ السِّباحةِ القَمَريَّة ما هُو إلَّا البِداية، وَمِن هَذِهِ البِداية أبدَأ. وَأبدَأ بِسُؤال، هَل الأرض تَتَحَرَّك سابِحَةً بالنِّسبةِ إلَى الشَّمس، أم أنَّها تَدُور حَولها في مَدارٍ بَيضَوي إهليجي كَما بيَّن (كِبلر)؟

الجَواب يَقيناً أنَّها تَسبَح، فَكَما بيَّنت سابِقاً في هَذا الكَون المُتوسِّع لا يوجَد دَوَران، وَفي قُرآنِنا الكَريم لَم يُذكَر فِعل الدَوَران أو وَصف شَيء بالدَوران، وَقَبل أن نَقُول إنَّ كُلَّ مَا في الكَون يَسبَح، دَعونا نَسير في المَوضُوع خُطوَة خُطوَة، وإذا كانَت خُطوَتُنا الأولَى من عِند قَمَرِنا المُنير، الَّذي كان وُجوده هُو الدافِع الأوَّل الَّذي دَعَا الإنسان للانِطلاق نَحو الفَضاء واكتِشاف الآفاق، فالخُطوة الثانية سَتَكون من عِند أرضِنا.

تَتَحرّك أرضُنا بالنَّسبَةِ لِلشَمسِ بِسُرعة 30 كم/ثانية تَقريباً، لِتُتِمَّ دَورة كامِلة حَول الشَّمس (سِباحة كامِلة بالنِّسبَةِ لِلشَمس) كُل 365.25 يوم أو سَنَة كامِلَة، وإذا كان سَبَبُ سِباحة القَََمَر يَقومُ عَلى مَبدأِ حَركَة أو جَريان القََمَر وَالأرض مَعاً، فَهَذا يَعني أنَّهُ حَتَّى تَسبَح الأرض بالنِّسبة لِلشَمس، لا بُدَّ لِلشَمس أيضاً أن تَتَحرَّك من مَكانِها. والسُّؤال الآن هَل الشَّمس تَتَحَرَّك من مَكانِها دُون أن تَعُود إلَيه؟ الجَواب: نعم، فَالشَّمس تَتَحرّك (تَجري) حَول مَركِز مَجَرَّتِنا كُل 250 مَليون سَنَة، بِمَعنى آخَر تَسير بِسُرعة مُتوَسَّطها 220 كم/ثانية، إذاً الأرض تَسبَح حَول الشَّمس، كَما يَسَبح القَمَر حَول الأرض، وَبِمَعنى آخَر يَسبَح القَمَر في فَلَكِه حَول الأرض، بَينَما تَسبَح الأرض في فَلَكِها حَول الشَّمس باتِجاهٍ مُعاكِس لِحَرَكةِ عقارِب السَّاعة، وَبِصُورَة أوضَح فإنَّهُما يَسبَحان باتِجاه تَوسُّع الكَون.

وفي الرَّسم التوضيحي التالي، أُبيِّن كَيف تَسبَح الأرضُ حَول الشَّمس، بِنَفسِ الطريقَة الَّتي يَسبَح فيها القَمَر حَول الأرض بِطَريقة مَوجيَّة، لَم تَكُن أبداً في يَوم ما دائريَّة أو إهليجية كما اكتَشَفَها وَوَصَفَها العالِم الفَلَكي (كِبلر). أمّا وَصف القُرآن الكَريم لِتِلك الحَرَكة بالسِّباحة، فَلَم أسمَع أو أرَ مَن رَسَمَها عَلى الوَرَق في العالَمِ الإسلامي، أو أعلَنَها عَلَى المَلَأ، وَكُل ما اقرَأه في كُتُبِ الفَلَك في العالَمِ الإسلامي أنَّ الأرضَ تَدُور حَول الشَّمس سابِحَةً في فَلَكِها، الدَوران شَيء، والسِّباحة شَيء آخَر كَما بيَّنا.

لِذا فإنِّي هُنا أرسم فَلَك الأرض الَّذي تَسبَح فيه حَول الشَّمس بِنَفسِ الطَّريقَة الَّتي رَسَمت فيها فَلَك القَمَر السَّابِح حَول الأرض، وَطَريقَة سِباحَة الأرض حَول الشَّمس والمُعتَمِدَة عَلى تَزايُد وَتناقُص مُعَدَّل سُرعَة الأرض حَول الشَّمس، تَتبَع نَفس الطَّريقَة الَّتي تَتَزايَد فيها وَتَتَناقَص سُرعَة سِباحَة القَمَر حَول الأرض كَما وَضَّحت ذلك سابِقاً.

تَسبَح الأرض حَول الشَّمس في فَلكِها مَرَّة واحِدَة كُل عام، وَتُشبِه هَذِهِ السِّباحَة سِباحَة القَمَر حَول الأرض.

شكل (7)

وأيضاً، ولِغاية في نفسي، أرسُم رَسماً بيانيَّاً تَوضيحياً، يُبيِّن كيفيَّة سِباحَة الأرض عَلى شَكلٍ مَوجي بالنِّسبة إلى الشَّمس:

شكل (8)

إذن، أصبَحَ لَدَينا قَمَر يَسبَح في فَلَكِه سِباحَةً مَوجيَّة حَول الأرض، وبِنَفس الوَقت أصبَحَت لَدينا أرض تَسبَح سِباحَةً مَوجيَّة مَع قَمَرِها بالنِّسبة لِلشَمس، وَبِما أنَّ القَمَر يَسبَح بالنِّسبةِ إلَى الأرض وبِنَفس الوَقت تأخُذه الأرض لِيَسبَح مَعَها بالنِّسبة لِلشَمس، إذاً أصبَح لَدى القَمَر سِباحَتين، أحدُهُما بالنِّسبَةِ لِلأرض، والأُخرَى بالنِّسبةِ لِلشَمس، وَهَذا يَعني أنَّ الفَلَك الَّذي يَسبَح فيه القَمَر بالنِّسبة إلَى الأرض، يَسبَح أيضاً في فَلكٍ آخَر بالنِّسبةِ لِلشَمس، وَبِما أنَّ الفَلَك الَّذي يَسبَح بِهِ القَمَر تَتَكَرَّر مَوجَته في السَّنة حَوالي 13 مَرَّة، وَبِما أنَّ الأرض تَتَكَرَّر مَوجَة سِباحَتها بالنِّسبَةِ إلَى الشَّمس مَرَّة واحِدَة في السَّنة، فَهَذا يَعني أنِّي أستطيع أن أجمَع في رَسمٍ بَياني تَوضيحي واحِد سِباحَة فَلَك القَمَر بالنِّسبَةِ إلَى سِباحَة فَلَك الأرض حَول الشَّمس كَما في الشَّكل التالي:

قُمت بِرَسمِ هَذا الشَّكل لأوَضِّح المَبدأ الأساسي لِكُلٌ في فَلَك يَسبَحُون، فَرَغم أنَّ القَمَر لَهُ فَلَك واحد حَول الأرض، والأرض لَها فَلَك آخَر حَول الشَّمس، إلَّا أنَّ القَمَر والأرض كُلٌ مِنهُما يَسبَح في فَلَكٍ واحد بالنِّسبَة إلَى الشَّمس.

شكل (9)


No comments:

Post a Comment